ميثاق شرف للإعلاميين السوريين.. تجربة فريدة تتطلع لإعلام حر ومسؤول

عماد الطواشي – نيوز سنتر

لم تنته مهمة السوريين عند إشعال الثورة التي لم تنجز مطالبها حتى الآن، لكنها حققت بالتوازي مع ذلك أشواطا مهمة لاسيما على صعيد الإعلام البديل، فبعد تأسيس رابطة للصحفيين السوريين ظهرت الحاجة إلى إعلان ميثاق شرف للإعلاميين السوريين يكون مظلة لكل وسائل الإعلام البديل يتضمن قوانين ناظمة لعمل هذه المؤسسات والصحفيين على حد سواء أطلق عليه اسم ميثاق شرف للإعلاميين السوريين.

– اليوم وبعد خمس سنوات على انطلاقة ميثاق “شرف” تؤكد كثير من المؤسسات الموقعة على بيان التأسيس أن الميثاق قطع أشواطا كبيرة، لكنها تحتاج إلى التطوير أكثر.

مصعب سعود رئيس رابطة الصحفيين السوريين، يقول إنه “لا يمكن بالوقت الحالي تقييم تجربة وليدة مباشرة بالنجاح أو الفشل فهي ما تزال في طور البناء وتحتاج إلى المزيد من التفاعل والعمل من المؤسسات الإعلامية المشتركة في الميثاق والتي تبلغ أكثر من 35 مؤسسة حالياً، لكن ما يمكننا قوله إنها قضية بالغة الأهمية أمام الحرية الإعلامية غير المسؤولة التي مورست من قبل البعض والتي تسببت في نقل مفاهيم مغلوطة للرأي العام الإقليمي والعالمي.

ويؤكد سعود أنه لابد من تفعيل بنود الميثاق من قبل المؤسسات المنضوية فيه والمساءلة الجماعية لمن يخل فيه لاسيما وأن هناك توجها لترخيص اتحاد في فرنسا يضم المؤسسات المنضوية في الميثاق والتي تشكل رابطة الصحفيين السوريين جزءاً مهما ودافعاً للنهوض فيه.

**لجنة شكاوى

لكن هل كل مؤسسات الميثاق التزمت بمضمونه، سؤال تجيب عنه غصون أبو الدهب وهي عضو بمجلس إدارة هيئة الميثاق في دورته الجديدة، “في ظل غياب قوانين ناظمة لعمل المؤسسات الإعلامية السورية، ليس من السهل اليوم ضبط الإيقاع بين مختلف هذه المؤسسات للعمل على محتوى إعلامي يمتاز بالدقة والمصداقية والموضوعية واحترام الحقيقة وحرية التعبير وهي بعض المبادئ الأخلاقية الإعلامية المقرة في المواثيق والعهود العالمية”.

وتشير الصحفية غصون إلى أن “الميثاق يعمل جاهدا على تطوير آليات لتكريس هذه المبادئ من خلال تدريبات ومنتديات لتعريف المؤسسات الأعضاء والصحفيين المستقلين بأهم القيم العالمية لمبادئ الأخلاق المهنية التي يحتاجها الإعلام للقيام بدوره بالوضع الأمثل”.

ويعمل الميثاق حاليا على تعزيز قيم الميثاق والالتزام بمبادئه وتطبيقها على المخرجات الإعلامية للمؤسسات من خلال استراتيجية تواصل أقرها مجلس إدارة الميثاق، ومن خلال إطلاق لجنة الشكاوي في القريب وتفعيل دورها، إضافة إلى التشبيك والتعاون مع منظمات دولية تتقاطع بأهدافها مع الميثاق.

وتؤكد أبو الدهب أن تضافر جهود المؤسسات الإعلامية والتزامها الطوعي بمحتوى عالي الجودة مهنياً وأخلاقياً، سيعزز ثقة الجمهور في هذه المؤسسات، وفي المنظور القريب سيحقق للمؤسسات الإعلامية السورية البديلة موقعاً مهما على خارطة الإعلام المهني والأخلاقي الذي أصبح اليوم قيمة مضافة لأي مؤسسة صحفية، وسينعكس ذلك إيجاباً على الدور الاجتماعي لهذه الوسائل من خلال الابتعاد عن التضليل وتوفير المعلومات الموثوقة المصادر، وتنقية المحتوى من خطاب الكراهية، واحترام الحريات التي كفلتها مواثيق حقوق الإنسان.

والميثاق هو شبكة سورية تضم حاليا 35 مؤسسة إعلامية سورية مستقلة 27 عاملة و8 مجمدة، يتنوع إنتاجها بين صحف ومجلات مطبوعة وإذاعات وقناة تلفزيونية ومواقع إخبارية ووكالات أنباء. تهدف الهيئة من خلال حزمة التشريعات والأنشطة الخاصة بها إلى تعزيز البعد الأخلاقي والمهني عند كوادر الممارسات الأعضاء بهدف إنتاج محتوى إعلامي يخلو من خطاب الكراهية؛ غني بقيم العدالة الجندرية، الدقة، المصداقية، النزاهة، الإنصاف.

** تحديات وعقبات

في مقابل ذلك يشكك الكثير من الصحفيين بجدوى إنشاء الميثاق وعدم نجاحه في مهمته الأساسية ليكون مظلة جامعة لمؤسسات الإعلام البديل، بينما للصحفي المستقل صخر إدريس رأي آخر يقول إن “إطلاق الميثاق كسر احتكار السلطات الرسمية للمؤسسات الاعلامية والسيطرة عليها، لافتا إلى أنه من المبكر جدا تقييم التجربة حيث أنه يتلب عملياً وقتاً وجهداً مضاعفاً لتفكيك عقود من الاحتكار والمنع في العمل النقابي الجامع.

أما عن تجربة عمل المؤسسات الإعلامية المنضوية في الميثاق، فيشير صخر إدريس إلى أنها وقعت أحيانا بفخ عدم المهنية بسبب محاولتها سد الفراغ الإعلامي بسرعة في فترة الثورة، وهنا يبرز دور الميثاق بحسب إدريس بالعمل على تعزيز القدرات للأعضاء (المؤسسات) من خلال التدريب وخلق جسور التعاون فيما بينها بالتزامن مع مراعاة تضارب المصالح أحياناً، وتعزيز تطبيق جوهر المعايير عند حصول أية تجاوزات خشية فقدان الثقة بالميثاق والوقوع بفخ الشللية الذي لايزال القطاع الإعلامي السوري يعاني منه بشكل واضح ومؤثر.

وبدأت هيئة ميثاق شرف للإعلاميين السوريين نشاطها في 14/06/2015 من مدينة إسطنبول بعد أن وقعت 20 مؤسسة إعلامية سورية الوثيقة المهنية والأخلاقية الأولى، الناظمة للعمل الإعلامي السوري، وذلك بعد عام ونصف من النقاش الجماعي بين صحفيين من مؤسسات إعلامية مختلفة، مدعومة باستشارات من خبرات إعلامية دولية.

** صحفيون بلا حماية

فخ وقع به الميثاق كما يؤكد الصحفي عبد العزيز العذاب بأنه “أسس لمراقبة المحتوى الإعلامي وغفل عن صانع المحتوى وهو الصحفي”.

ويكشف الصحفي العذاب بأن “العديد من الصحفيين قدموا شكاوى على انتهاكات مورست بحقهم من بعض المؤسسات الأعضاء الموقعين ولم يؤخذ بها الميثاق متذرعا بـ(عدم الاختصاص)”.

ويضيف العذاب أن “العديد من المؤسسات الموقعة على الميثاق وقعت أيضا بتجاوزات واضحة في المحتوى أيضا يستطيع أي صاحب دراية بهذه المهنة رؤيتها بشكل جلي، ورغم ذلك يتم التغاضي عنها دون معرفة السبب، وهو الأمر الذي يحتم بحسب العذاب تجديد الميثاق لمحتواه بما يضمن حقوق الصحفيين على حد سواء مع المؤسسات التي يدافع عنها ويمثلها”.

** المهمة الأساسية مراقبة المحتوى

في هذه النقطة يقول الصحفي أكرم الأحمد مدير‏ ‏المركز الصحفي السوري‏ وعضو مجلس إدارة هيئة الميثاق إنها “كانت محل خلاف للميثاق منذ تأسيسه من ناحية أعضاء الميثاق وهي المؤسسات الإعلامية حصرا التي يمكن أن ترتكب انتهاكات بحق العاملين فيها، وهنا يكمن دور الروابط والنقابات في الدفاع عن الصحفيين ممثلة في الحالة السورية برابطة الصحفيين السوريين وغيرها من الأجسام، لافتا إلى أن الميثاق لعب دور الوسيط لحل نقاط الخلاف بين مؤسسة عضوة فيه وبين الرابطة التي تدافع عن الصحفيين، لهدفين أساسيين الأول ضرورة وجوده كإحدى المرجعيات لردع الانتهاكات فضلا عن ترك المجال لباقي النقابات والروابط الصحفية لتقوم بهذا الدور وبناء على توثيقها الانتهاكات يمكن أن يقوم الميثاق بإجراء ضد انتهاكات المؤسسات، فضلا عن مهمته الأساسية بمراقبة المحتوى.

أما عن المحتوى الإعلامي السوري ورفع قدرات مؤسسات فيشير الصحفي أكرم الأحمد إلى أنها “كانت من أكبر التحديات التي واجهته في بداية تأسيسه حيث اختلفت مشارب وتوجهات المؤسسات ورؤيتها لدور الإعلام ومحتواه الذي كان عاطفيا وخبريا بالمجمل بعيدا عن المحتوى المهني الذي يجب أن يستهدف عقول المتابعين، فضلا عن ضعف المؤسسات الإعلامية وقلة تمويلها واختفائها لاحقا حيث كان عدد الموقعين على الميثاق 55 مؤسسة والآن لم يتبق غير 27 مؤسسة عاملة و8 مجمدة، مؤكدا في الوقت نفسه أن هيئة الميثاق حتى الآن لم تأخذ دورها حتى الآن في تطبيق معايير الميثاق ورصد المحتوى وتطويره واقتصر دورها على بعض الرسائل للمؤسسات ببعض المشاكل لتصحيحها، إلى جانب ذلك لم يستطع الميثاق حتى الآن تأسيس علاقات مع مؤسسات دولية لتأمين دعم له حيث يعتمد حاليا على مؤسسة وحيدة تؤمن له الدعم.

** الشفافية مطلوبة

خلال الفترة الأخيرة شهد الميثاق انضمام العديد من المؤسسات الإعلامية، ويشير مدير صحيفة نيوز سنتر الإلكترونية مضر حماد الأسعد، إلى أن الميثاق كان نقطة مضيئة جذبت إليها أكثر من 32 مؤسسة إعلامية حاليا لتعمل بميثاق شرف واحد وهو ما يحتاجه الإعلام البديل بحسب الأسعد.

أما عن المعوقات فيقول الأسعد إن “غياب الرؤية الواضحة وانخفاض الدعم للمؤسسات الإعلامية التي أيدت الثورة أدى إلى خسارة القطاع الإعلامي للعديد من المؤسسات الأمر الذي يحتم على الميثاق التواصل مع الشركاء الدوليين لتأمين مشاريع تمول مؤسساته تركز على قضايا المواطنة وترسيخها وحرية الرأي وقضايا الإعمار والتعايش السلمي والتعليم والانتخابات والعدالة الانتقالية والتعددية السياسية والعرقية وهي مناح يجب للإعلام السوري البديل أن يكون جاهزا لطرحها.

ويختم الأسعد حديثه بضرورة إشراك جميع مؤسسات الميثاق بصنع سياساته والشفافية من مجلس الإدارة مع الأعضاء وتكوين فريق عمل واحد بعيدا عن الشللية الأمر الذي سينعكس إيجابيا على مؤسسات الميثاق ويعطي قيمة مضافة لقضايا المناصرة إذا ما اتفقت هذه المؤسسات على التركيز على قضايا مهمة تثير الشارع وضرورة التغيير، مؤكد في الوقت نفسه أن الميثاق يتحضر لمرحلة جديدة وهو على أبواب دخول عامه السادس.